فصل: ذكر عدة حوادث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر وفاة إسماعيل بن أحمد الساماني وولاية ابنه أحمد

في هذه السنة منتصف صفر توفي إسماعيل بن أحمد أمير خراسان وما وراء النهر ببخارى وكان يلقب بعد موته بالماضي وولي بعده ابنه أبونصر أحمد وأرسل إليه المكتفي عهده بالولاية وعقد لواءه بيده‏.‏

وكان إسماعيل عاقلا عادلا حسن السيرة في رعيته حليمًا حكي عنه أنه كان لولده أحمد مؤدب يؤدبه فمر به الأمير إسماعيل يوما والمؤدي لا يعلم به فسمعه وهويسب إبنه ويقول له‏:‏ لا بارك الله فيك ولا فيمن ولدك‏!‏ فدخل إليه وقال له‏:‏ يا هذا نحن لم نذنب ذنبًا لتسبّنا فهل ترى أن تعفينا من سبك وتخص المذنب بشتمك وذمك فارتاع المؤدب فخرج إسماعيل عنه وأمر له بصلة جزء لخوفه منه‏.‏

وقيل‏:‏ جرى بين يديه ذكر الأنساب والأخشاب فقال لبعض جلسائه‏:‏ كن عصاميًا ولا تكن عظاميًا فلم يفهم مراده فذر له معنى ذلك‏.‏

وسأل يومًا يحيى بن زكرياء النيسابوري فقال له‏:‏ ما السبب في أن آل معاذ لما زلت دولتهم بقيت عليهم نعمتهم بخراسان مع سوء سيرتهم وظلمتهم وأن آل طاهر لما زالت دولتهم عن خراسان زالت معها نعمتهم مع عدلهم وحسن سيرتهم ونظرهم لرعيتهم فقال له يحيى‏:‏ السبب في ذلك أن آل معاذ لما تغير أمرهم كان الذي ولي البلاد بعدهم آل طاهر في عدلهم وإنصافهم واستعفافهم عن أموال الناس ورغبتهم في اصطناع أهل البيوتات فقدموا آل معاذ وأكرموهم وأن آل طاهر لما زالت عنهم كان سلطان بلادهم آل الصفار في ظلمتهم وغشمهم ومعاداتهم لأهل البيوتات ومناصبتهم لأهل الشرف والنعم فأتوا عليهم وأزالوا نعمتهم‏.‏

فقال إسماعيل‏:‏ لله درك يا يحيى فقد شفيت صدري‏!‏ وأمر له لصلة‏.‏

ولما ولي بعد أخيه كان يكتب أصحابه وأصدقاءه بما كان يكاتبهم أولا فقيل له في ذلك فقال‏:‏ يجب علينا إذا زادنا الله رفعة أن لا ننقص إخواننا بل نزيدهم رفعة وعلى وجاها ليزيدوا لنا إخلاصًا وشكرًا‏.‏

ولما ولي بعده أبونصر أحمد واستوثق أمره أراد الخروج إلى الري فاشرا عليه إبراهيم بن زيدويه بالخروج إلى سمرقند والقبض على عمه إسحاق ابن أحمد لئلا يخرج عليه ويشغله ففعل ذلك واستدعى عمه إلى بخارى فحضر فاعتقله بها ثم عبر إلى خراسان فلما ورد نيسابور هرب بارس الكبير من جرجان إلى بغداد خوفًا منه‏.‏

وكان سبب خوفه أن الأمير إسماعيل كان قد استعمل ابنه أحمد على جرجان لما أخذها من محمد بن زيد ثم عزله عنها واستعمل عليها بارس الكبير على ما ذكرناه فاجتمع عند بارس أموال جمة من خراج الري وطبرستان وجرجان فبلغت ثمانين وقرأن فحملها إلى إسماعيل فلما سارت عنه بلغه خبر موت إسماعيل فردها وأخذها فلما سار إليه أحمد خافه وكتب إلى المكتفي يستأذنه في المصير إليه فأذن له في ذلك فسار إليه في رابعة آلاف فارس فأرسل أحمد خلفه عسكرا فلم يدركوه واجتاز الري فتحصن بها نائب أحمد بن إسماعيل فسار إلى بغداد فوصلها وقد مات المكتفي وولي المقتدر بعده فأعجبه المقتدر‏.‏

وكان وصوله بعد حادثة ابن المعتز فسيره المقتدر في عسكره إلى بني حمدان وولاه ديار ربيعة فخافه أصحاب الخليفة أن يتقدم عليهم فووضعوا عليه غلامًا فسمه فمات واستولى غلامه على ماله وتزوج امرأته وكان موته بالموصل‏.‏

  ذكر وفاة المكتفي

في هذه السنة في ذي القعدة توفي أمير المؤمنين المكتفي بالله أبومحمد علي ابن المعتضد بالله أبي العباس احمد بن الموفق بن المتوكل وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يومًا وكان عمره ثلاثًا وثلاثين سنة وقيل اثنتين وثلاثين سنة وكان ربعًا جميلا رقيق البشرة حسن الشعر وافر اللحية وكنيته أبومحمد وأمه أم ولد تركية اسمها جيجك وطال عليه مرضه عدة شهور ولما مات دفن بدار محمد بن طاهر رحمه الله‏.‏

  ذكر خلافة المقتدر بالله

وكان السبب في ولاية المقتدر بالله الخلافة وهوأبوالفضل جعفر بن المعتضد أن المكتفي لما ثقل في مرضه أفكر الوزير جينئذ وهوالعباس بن الحسن فيمن يصلح للخلافة وكان عادته أن يسايره إذا ركب إلى دار الخلافة واحد من هؤلاء الأربعة الذين يتولون الدواوين وهم‏:‏ أبوعبد الله محمد بن داود بن الجراح وأبوالحسن محمد بن عبدا وأبوالحسن علي بن محمد بن الفرات وأبوالحسن علي بن عيسى فاستشار الوزير يومًا محمد ابن داود بن الجراح في ذلك فأشار بعبد الله بن المعتز ووصفه بالعقل والأدب والرأي واستشار بعده أبا الحسن بن الفرات فقال‏:‏ هذا شيء ما جرت به عادتي أشير فيه وإمنا اشاور في العمال لا في الخلفاء فغضب الوزير وقال‏:‏ هذه مقاطعة باردة وليس يخفي عليك الصحيح‏.‏وألح عليه فقال‏:‏ إن كان رأي الوزير قد استقر على احد يعينه فليفعل فعلم أنه عنى ابن المعتز لأشتهار خبره‏.‏

فقال الوزير‏:‏ لا أقنع إلا أن تمحضني النصيحة‏.‏

فقال ابن الفرات‏:‏ فليتفق الله الوزير ولا ينصب إلا من قد عرفه واطلع على جميع أمواله ولا ينصب بخيلًا فيضيق على الناس ويقطع أرزاقهم ولا طماعًا فيشره في أموالهم فيصادرهم ويأخذ أموالهم وأملاكهم ولا قليل الدين فلا يخاف العقوبة والأثام ويرجوالثواب فيما يفعله ولا يول من عرف نعمة هذا وبستان هذا وضيعة هذا وفرس هذا ومن قد بقي الناس ولقوه وعاملهم وعاملوه ويتخيل ويحسب حساب نعم الناس وعرف وجوه دخلهم وخرجهم‏.‏

فقال الوزير‏:‏ صدقت ونصحت فبمن تشير قال‏:‏ أصلح الموجود جعفر بن المعتضد قال‏:‏ ويحك هوصبي قال ابن الفرات‏:‏ إلا أنه ابن المعتضد ولم نأت برجل كامل يباشر الأمور بنفسه غير محتاج إلينا‏.‏

ثم إن الوزير استشار علي بن عيسى فلم يسم أحدا وقال‏:‏ لكن ينبغي أن يتقي الله وينظر من يصلح لدين والدنيا فمالت نفس الوزير ألى ما أشار به ابن الفرات وانضاف إلى ذلك وصية المكتفي فإنه أوصى لما اشتد مرضه بتقليد أخيه جعفر الخلافة فلما مات المكتفي نصب الوزير جعفرًا للخالفة وعينه لها وأرسل صافيًا الحرمي إليه ليحذره من دور آل طاهر بالجانب الغربي وكان يسكنها فلما حطه في الحراقة وحدره وصارت الحراقة مقابل دار الوزير صاح غلمان الوزير بالملاح ليدخل إلى دار الوزير فظن الحرمي أن الوزير يريد القبض على جعفر وينصب في الخلافة غيره فمنع الملاح من ذلك وسار إلى دار الخلافة وأخذ له صافي البيعة على الخدم وحاشية الدار ولقب نفسه المقتدر بالله ولحق الوزير به وجماعة الكتاب فبايعوه ثم جهزوا المكتفي ودفنوه بدار محمد بن طاهر‏.‏

ولما بويع المقتدر كان في بيت المال حين بويع خمسة عشر ألف ألف دينار فأطلق يد الوزير في بيت المال فأخرج منه حق البيعة‏.‏

وكان مولده المقتدر ثامن رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها شغب فلما بويع استصغره الوزير وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وكثر كلام الناس فيه فعزم على خلعه وتقليد الخلافة أبا عبد الله محمد بن المعتمد على الله وكان حسن السيرة جميل الوجه والفعل فراسله في ذلك واستقر الحال وانتظر الوزير قدوم بارس حاجب إسماعيل صاحب خراسان وكان قد أذن له في القدوم كما ذكرناه وأراد الوزير أن يستعين به على ذلك ويتقوى به على غلمان المعتضد فتأخر بارس‏.‏

واتفق أنه وقع بين أبي عبد الله بن المعتمد وبين ابن عمرويه صاحب الشرطة منازعه في ضيعة مشتركة بينهما فاغلظ له ابن عمرويه فغضب ابن المعتمد غضبًا شديدا أغمي عليه وفلج في المجلس فحمل إلى ثيته في محفة فمات في اليوم الثاني فأراد الوزير البيعة لأبي الحسين بن المتوكل فمات أيضًا بعد خمسة أيام وتم أمر المقتدر‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كانت وقعة بين نجح بن جاخ وبين الاجناد بمنى ثاني عشر ذي الحجة فقتل منهم جماعة لأنهم طلبوا جائزة بيعة المقتدر بالله وهرب الناس إلى بستان ابن عامر وأصحاب الحجاج في عودهم عطش عظيم فمات منهم جماعة‏.‏

وحكي أن أحدهم كان يبول في كفه تم يشربه‏.‏

وفيها خرج عبد الله بن إبراهيم المسمعي عن أصبهان إلى قرية من قراها مخالفًا للخليفة واجتمع إليه نحومن عشرة آلاف من الأكراد وغيرهم فامر بدر الحمامي بالمسير إليه فسار في خمسة آلاف من الجند وأرسل إليه المنصور بن عبد الله بن منصور الكاتب يخوفه عاقبة الخلاف فسار إليه وادى إليه الرسالة فرجع إلى الطاعة وسار إلى بغداد واستخلف على عمله باصبهان فرضي عنه المكتفي بالله‏.‏

وفيها كانت وقعة للحسين بن موسى على أعراب طي الذين كانوا حصروا وصيفا على غرة وفيها أوقع الحسن بن أحمد بالأكراد الذين تغلبوا على نواحي الموصل فظفر بهم واستباحهم ونهب أموالهم وهرب رئيسهم إلى رؤوس الجبال فلم يدرك‏.‏

وفيها فتح المظفر بن جاخ بعض ما كان غلب عليه الخارجي باليمن وخذ رئيسًا من رؤساء أصحابه ويعرف بالحكيمي‏.‏

وفيها تم الفداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة وكان عدة من فودي به من الرجال والنساء ثلاثة آلاف نفس وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي‏.‏

وفيها توفي أبوبكر محمد بن إسماعيل بن مهران الجرجاني الإسماعيلي الفقيه الشافعي المحدث ومحمد بن أحمد بن نصر أبوجعفر الترمذي الفقيه الشافعي توفي ببغداد وأبوالحسين أحمد بن محمد النوري شيخ الصوفية وتوفي الحسين بن عبد الله بن أحمد أبوعلي الخرقي الفقيه الحنبلي يوم الفطر الخرقي بالخاء المعجمة والقاف وعبد الله ابن أبي دارة‏.‏